عندما إلتقيت به أول مرة كان الزمن قد اتخذ من رأسه ولحيته لوحة بدا يرسم عليها ولكن بلون الأبيض فقط ,أنا خريج الولايات المتحدة مشاكس لبرالي النزعة, هو خرج من رحم القومية العربية .
الِصدام كان لا مفر منة, فقد جمعنا مكان عمل واحد, هو الأستاذ وأنا التلميذ والأحداث تتلاطم حولنا. يبدأ النقاش المحتدم كل يوم مع كوب الشاي الذي حتى علية اختلفت أذواقنا, أنا أحبه خفيف أرشفه من كوب, هو كأسه الزجاجي لا يستغنى عنة لا يستلذ به إن لم يكن بلون المتناقص بعض شعر لحيته الذي يتمنى أن تنساه فرشاه الزمن على حالة.
نظرية المؤامرة وإن الغرب وأمريكا سبب كل مصائبنا وإن تأخرنا وانهزاميتنا وتطبيق الإسلام في جميع نواحي الحياة هو الحل, هو ما يستند علية بجميع نقاشاته, وعلى النقيض منة كنت أنا اهجم علية بالفكر الغربي المتفتح .لا أكاد أحصي عدد المرات التي احتدم بها النقاش بيننا لدرجة أن ترتفع بها أصواتنا خارج نطاق مكاتبنا ليهرع زملائنا لمعرفة سبب الجلبة المتصاعدة , غير إنهم فطنوا لما يدور و أحجموا عنا وتجاهلونا بعدها .
مع ذلك أبدا لم نستهزئ يبعضنا البعض ولم نتنابز بالألقاب ولم يكن يحاول أن يفرض فكرة على , وبادرته بالمثل . لم يطعني في أصلى وفصلي ولم استغل الأبواب المفتوحة لدى لتقليل من شأنه ولو بنُكت وقفشات أهل النيل الذي جاء منها. لم يحاول أن يحط من مكانه معتقداتي الشيعية ولم أفكر بأن اثبت لة أن ما يؤمن بة من مسلك سني على خطأ وإنه نحن الفرقة الناجية وهو في النار كما يؤمن الكثير من طائفته وطائفتي . أدب الحوار كان بيننا راقي ومتحضر.
أخرجُ من بعد اختلاف وجهات النظر الحادة من غرفته لأعود بعد دقائق طالبا مساعدته, فلم يكن يبخل على قط بمعلومة بل هو من درسني وعرفني كل ما يعلم ووضع خبرته تحت تصرفي , على النقيض من الكثير من أبناء جلدته الذين كانوا يخافون من "المهندس الكويتي الجديد" .
كان بإمكانه أن يستغل المهندس الغر ليلقيه بحفرة لا يخرج منها, كما كان يفعل الكثير في وزارة مليئة في الصراعات ولا تزال . بل كان الكثير من الأحيان ينبهني من أعمال قد تؤدى إلى مشاكل وتعقيدات أنا في غنى عنها ويصلحها لي .لم يبخل علي بنصيحة حتى في تربية أولادي, كنت أتقبلها بكل ترحاب مع إني لم أكن أطبق معظمها.
أبى الزمان إلا أن يختبر صداقتنا بامتحان جديد, فقد دارت الأيام وأصبح التلميذ رئيس المعلم.
كان يحترم منصبي وأنا أحترم مكانته, لم أستغل المنصب لألحق به الضرر ,لم أشعرة لو للحظة أن العين قد ارتفعت على الحاجب, لم اسطر اختلافي الشديد معه فكريا حقدا على الورق في تقاريره ,أو حجمته وعطلته وأبعدته بأي صورة من الأشكال عن أهميته ومكانته في الإدارة.
ودرات عجله الزمن , وأبى الرسام إلا أن يساويني بة فأبدع في لونه المفضل على راسي ولحيتي ,عزائي الوحيد هو أن غريمي يسبح باللون بالكامل . وجاء اليوم الذي حن به العدو لقناطر النيل وصخب القاهرة, فشد رحالة عائدا ليستقر بوطنه.
ولكن هيهات , شكرا للانترنت والأيميل والتدوين فهو ساحات حربنا المتواصلة , وطالما أن هزائمنا في إزديار وشعوبنا تحن للديمقراطية أو الإسلام ,كل على هواة , فمواضيع تلاطمنا الفكري لن تنتهي بين جدو عادل وجدو منير .
فيا جدو ,سعيد جدا في الإيميلات التي ترسلها لي, وابد لم أتنازل عن أفكاري ومعتقداتي , كما أعرف انك لم تتزحزح عن أفكارك ومعتقداتك , بل هذا ما أعول علية .
وأن نستني الأيام ولم أبوح لك بها أقول لك : جميلك أبدا لم أنساه وما علمتني إياه "هندسيا طبعا وليس فكريا" محفور في أعماقي أُطبقة عمليا يوميا في العمل وفى عملي الخاص الذي يوفر لي سبيل عيش كريم لي ولأبنائي وحفيدتي فشكرا للبروفسور م .منير محمد
وروح خل القومية العربية تنفعك.