شمس، ابنة الثالثة عشرة ربيعا، هولندية الجنسية، مسلمة الديانة، عراقية الأصل. طغى الزمن على والديها، بل إن الزمن والله بريء من هذا الطغيان. و تعيش الآن معهم في هولندا. لم تر في حياتها غروبا من على شواطئ دجلة أو الفرات.
قصتها مشابهة لقصص مئات الآلاف من المشردين العرب الذين شردتهم شعارات "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، ونسوا أن يضيفوا "فوق صوت السلطة".
والدها أقسم عند تخرجه على قسم سقراط، قسم الطبيب المعالج. وبدلا من إنقاذ الحياة وشفاء الجروح أُمر أن يبتر أيادي المعارضين ويجدع آذان المتجرئين على النظام.
لم يتحمل ولم يقبل. فحمل قدره بين يديه هو وزوجته، وبدأ رحلة المعاناة التي يمكن أن نفرد لها كتابا خاصا نتبع رحلته فيها من قارب إلى قارب ومن دولة إلى دولة ومن مراكز اعتقال واستجوابات حتى حط الرحال في هولندا. وبدأ رحلة الكفاح بتعلم لغة الخاء، التي لم يعرف منها حرفا واحدا. ثم درس متطلبات الطب الهولندي حتى حصل على ترخيصه الخاص لممارسة الطب. وهو الآن يعالج و يشفي ولا يقطع أي جزء من البشر إلا لإنقاذ حياة حبيب ينتظره أحباؤه في غرف الانتظار.
شمس كبرى بناته تذهب إلى المدرسة يوميا على دراجة هوائية. ركبنا معها في أحد الأيام من المدينة الهولندية القريبة من الحدود الألمانية في السيارة. في شوارعهم توجد حارات خاصة للباصات فقط. كانت حركة السير بطيئة، فاقترحتُ أن أسلك حارة الباص التي كانت خالية. هنا اعترضت شمس بقوة وقالت إن هذا مخالف للقانون وغير مسموح به حتى ولو كانت الحارة غير مستخدمة من الباص.
وبعد دقائق، كنا على شارع داخلي وأمامنا رجل وامرأة على دراجات هوائية، سرعتهم كانت بطيئة ويبدو أن شمس قد قرأت أفكاري، فحذرتني من أن أتجاوز الدراجتين الهوائيتين، فلهم أولوية استخدام الشارع وعلينا أن نقود الهوينا حتى نصل إلى وجهتنا أو يغيرون هم اتجاههم.
وها قد وصلنا إلى الخطوط البيضاء المدهونة على الشارع لمرور المشاة. و تبرعت شمس بمعلومة: إن علينا الانتظار لعبور المشاة وأن لهم هم أحقية العبور، وعلى السيارة أن تتوقف فورا للسماح لعبور المشاة.
هنا السؤال:
لماذا شمس تعرف وتحترم القوانين وتطبقها؟ ونحن في الدول الإسلامية نعرف القوانين ولا نطبقها؟ وأطفالنا جبلوا على التفنن في اختراق القوانين؟ إذا كانوا يعرفونها أصلا.
شمس المسلمة. تعرف كل القوانين وتحترمها. وحتى والدها الدكتور محمد قص علي كيف سافر إلى دبي، وكان يوما يقود السيارة هناك، ووقف لباص كان يخرج من موقفه إلى الشارع كما تنص عليه قوانين هولندا والإمارات وقوانين العقل. ففوجئ بسيل من أبواق السيارات وبحركات من الأيدي الغاضبة الملوحة في الهواء من السيارات التي خلفه، تستهجنه الوقوف والسماح للباص بالمرور أولا. .